إشارة النسر
بسم الله الرحمان الرحيم
اشارة النسر في الدفائن |
بداية فالنسر يعد من أنبل الطيور التي عرفها
التاريخ القديم والمعاصر وأبدى اهتمامه به إلى حد كبير ، وأضفى عليه صفة من صفات
الوصف العقائدي والأسطوري ، فالإنسان والأسطرة
كانا ولا يزالا محط تكامل روحي ويقيني خصوصا عندما نتكلم عن ماهية الشيء المتوارث
أبا عن جد ، والمعتقد قد يكون صفة من صفاة القدسية والمكانة الإجتماعية وحتى
الروحية ، أي بصريح العبارة هي انطباعات
يقينية تأخذ حيز كبير جدا من حياة الشعوب القديمة والحديثة ، وطائر النسر شمل كل
الصفاة السالفة الذكر من مكانة اجتماعية وروحية وعقائدية ، ليأخذ بذالك منطلقا
توارثيا يصاحب الأجيال الحاظرة وكذى الحظارات المعاصرة ، ولينعم بحيز حميد وإيجابي
منذ أن ظهر وجوده على وجه الخصوص ، بعكس طائر البومة أو طائر الشؤم الذي تلى
رمزيته العديد من التناقضات خلافا لكل حظارة .
أما فيما يتعلق بطائر النسر
فقد جسد شعارات النبالة والقوة والإمتداد إلى جانب رمز الأسد في العديد من دول
العالم كالنمسا ومصر وألمانيا والمكسيك وغيرها ، ليسك بذالك في عملات حديثة وقديمة
كنسر زيوس على الدراخما البطلمية وأيضا عملة فرساوس المقدوني ، حيث شمل وصف الإلاه
في الكثير من الحظارات الغابرة ، خصوصا عند الفراعنة والإغريق واليونان القديمة
والإمبراطورية الأخمينية الفارسية وكذى الهندوسية ، كما جسد وصف القوة عند اليونانيين
أو المقدونيون الذين استعملوا رمز النسر في غزواتهم على الأخمينيين ، وجسدوه كرمز
للإلاه زيوس أو إلاه الظواهر الطبيعية الذي يتحكم في البرق والرياح ، أي أنهم
دمجوا بين السياق الديني والقوة وجعلوهم في كنف واحد ، حيث استمر هذا المعتقد
الديني فترة طويلة ليؤثر بذالك على النطاق العسكري وعلى مستوى الفيالق التي تضم
أزيد من 4000 جندي ، ليتخذوه بذالك شعارا يصاحبهم في المعارك تحت مسمى الأكويلا ،
وإن تم فقدان هذا الرمز فيستوجب شن معارك أخرى لاسترجاعه ، ليصير في النهاية رمزا
مقدسا للإمبراطورية الرومانية وللإمتداد الترابي الواسع ، وحتى بعد سقوط الإمبراطورية الرومانية الغربية عام 453 ميلادية
، استعمله البيزنطيون كتقليد متوارث للأكويلا الرومانية ولهيمنة الملوك أنذاك ،
ولفهم أكثر لا يسعنا إلا الحديث عن العمارات التي ضمنت أراضي شمال إفريقيا ، وكيف
كان يرمز لطائر النسر ، كي نستطيع أخذ موقف في تحليل هذه الإشارة ميدانيا
ففي مصر القديمة لم يكن اختيار
هذا الطائر عبثيا وإنما سك المعتقد وفقا لمكانته الجبارة وسط الجوارح ، ونظرا
لسرعته الهائلة ولحدة بصره ، ليأخذ بذالك حيزا هاما أنذاك ويصاحب ثلاث آلهات
معروفة لدى الفراعنة القدماء ، هذه الشخصيات التي كانت ولا زالت أسمائها شامخة في النصوص
الهيروغليفية وفي النحوت الجدارية ، إذ تم نحت جدارية تحمل صورة الإلاه حورس على
هيئة إنسان ورأس نسر ، كما تم تمثيل الآلهة نخبيت على شكل طائر نسر يعتلي رأسها
تاج أبيض ، وهي آلهة مدينة نخب ومصر العليا التي تمتد إلى غاية أسوان في الفترة ما
قبل الأسرات بين 3100 و 3200 سنة قبل الميلاد ، كما اعتبرت آلهة الوصاية وحامية
الفرعون في مصر العليا التي تمتد إلى أسوان ، كما ارتبط النسر كذالك بالآلهة موت
التي يرمز لها بأنثى النسر ، فما نستفاده من هنا أن النسر في مصر القديمة كانت له
مكانة روحية وعقائدية وارتبط اسمه بالآلهة .
أما عند اليونان القديمة فقد
ارتبط النسر بالإلاه زيوس ، الذي كان يعتقد أنه يتحكم في قوى الطبيعة كالبرق
والرعد والرياح ، ليأتي على هيئة رجل ملتحي قوي البنية يحمل في يده صاعقة وفي اليد
الأخرى نسر ، وهذا النسر بطبعه كان عبارة عن شخصية تاريخية مسخها زيوس على شاكلة
النسر ، ليستخدمه في حماية صولجانه المعروف ، كما شمل المعتقد القديم على أن النسر
هو الطائر الوحيد الذي لا ينال منه البرق ، ليأخذ بذالك الرمز تجليات على المستوى
العسكري بعد الإصلاحات التي تلت سنة 104 قبل الميلاد .
هذا الوصف الروحي والعقائدي
صاحب أيضا الإمبراطورية الرومانية لفترة طويلة إلى حين سقوط الإمبراطورية الغربية
سنة 453ميلادية ، ليواكب المعتقد نفس
المنوال مع الإمبراطورية البيزنطية بصفتهم ورثة الموروث الروماني ، والذين استخدموا
الأكويلا كما سبق وأسلفنا لأغراض لها علاقة بالحكم والملكية ، لتتم بذالك بلورة
الرمز الأحادي إلى رمز النسر برأسين كامتداد للسلطة والنفوذ شرقا وغربا أو من
القسطنطينية إلى روما ، كما استمر نفس هذا الرمز حتى بعد سقوط القسطنطينية سنة
1453 ميلادية ، لتتبناه القيصرية الروسية والرومانية كإحدى المطالب لاستمرار
الإمبراطورية الرومانية .
ما نستفيده في خضم هذه
المعلومات التاريخية ، أن النسر جسد رمز الآلهة ورمز القوة والنفوذ والسلطة
والإمتداد خصوصا عندما نتكلم عن النسر ذو الرأسين أو النسر الفارد الجناحين ، والذي
يعبر عن الإمتداد الجغرافي والهيمنة العسكرية ، ناهيك عن المعتقد الروحي الذي من
المحتمل أن ينظوي عن الجانب الجنائزي ، وخصوصا عندما يكون شعار النسر مرفوق بعلامة
جنائزية كالصليب .
إشارة النسر
ولتحليل إشارة النسر لا بأس أن
نجزئ الصفاة التي من المحتمل أن نصادفها ميدانيا ، كي نستطيع طرح احتمالات تتماشى
مع ذكاء واضع الإشارة ومع نوع الحظارة وكذالك الطبيعة الجغرافية للمكان ونوع النسر
الموضف في الإشارة ، فقد يأتي النسر على شاكلة نحت حفر أو نفر وقد يأتي على هيئة
مجسم ، ولكل حالة هيئة احتمالية معينة ، فقد يأتي في وضعية الطيران أو في وضعية
الوقوف أو وضعية فرد الجناحين أو وضعية الإنقضاض أو وضعية الجاهزية للتحليق أو
وضعية الإفتراس ، أو قد يأتي برأسان و حتى في وضعية الحضانة ، كما يجب وضع
بالحسبان أن أعشاش النسور تكون في أعالي الأشجار الشامخة وفي الجروف الكبيرة
والعالية وخصوصا عندما يتعلق الأمر بالنسر النوبي ، وصفة العش أو صفة أنثى النسر
الحاظنة قد تأخذ حيزا جد مهم في حال ما إذا كانت الإشارة مموضعة في طبيعة صخرية ، إذ
أن كل هذه الحيثيات يجب وضعها بعين الإعتبار اعتمادا على ما ذكرناه ، فمثلا نسر في
وضعية افتراس فإن أقرب احتمال جائز هو أن يكون تثبيت وخصوصا إذا كانت الإشارة في
مجال جغرافي فسيح وممتد ، وأما إن كانت الإشارة هذه في مكان جبلي وعر فإن التثبيت
قد يكون في مكان مرتفع على شاكلة ران أو مدخل لنفق علوي ، لأن النسور عادة ما
تفترس الطرائد في أعشاشها وليس على الأرض ، وأما في حال ما إذا كانت الإشارة على
شكل مجسم في مرتفع يترقب الطريدة فقد تكون زاوية الرؤيا هي مكان التثبيت لمدخل
مغارة أو ما شابه ، ونفس الشيء وارد ما إذا كان واقفا وينظر باتجاه معين ، وأما عن
أنثى نسر حاظنة أو مخلب نسر فإن أغلب الظن أن يكون تثبيت أو أن يكون الهدف بجوار
الصخرة الحاظنة إذا ما كانت الإشارة متمركزة في أرض منبسطة لا تشمل تظاريس وعرة ،
وقد يكون في نفس هذه الحالة مخلب النسر عبارة عن إشارة توجيه أو إشارة تتابع لمكان
الدفن ، وأما إن كانت الإشارة ضمن تظاريس جبلية صخرية فإن البروز الصخري الكبير هو
مكان الدفن ، وغالبا ما يكون عبارة عن مدفن أو كهف مغلق ، بمعنى أن الرمزية ليست
لها صلة وصل بالماهية ، والماهية نفسها رفع للإحتمالات وطرح للبيئة الجغرافية ، أي
بمعنى صريح وواضح يلزمنا القول بأن رمزية الإشارة والبيئة المموضعة بها والحظارة التابعة
لها ووضعية الحيوان خلافا لتلك التضاريس كلها أدلة مزدوجة قد تساعدنا في الإفصاح
عن مكان الدفن ونوع الهدف تحديدا ، لذالك دائما وأبدا لا تبني فهمك للإشارة
انطلاقا من أساليب تقليدية ، بل من فهم جميع الحيثيات والمعلومات التي قد تقلص
هامش الخطأ ، لذا ننصحكم بإطلالة على الميثيولوجيا التابعة للحظارة ودمجها مع
الحظارة التي مرت بموقع الإشارة ، والإنتباه لكل التفاصيل الممكن جمعها ، كي يكون
تحليلنا للإشارة منطقيا ومناسقا للواقع .
تعليقات
إرسال تعليق
إذا كان ليكم أي استفسارأو معلومة يرجى تضمينها