الفرق بين الإشارة التكنيزية والإشارة الطبيعية
بسم الله الرحمان
الرحيم
أحيانا
يقودنا الخوف من الظلمة إلى رؤية مشوشة من نتاج العقل ، فينجم عنها تحويل الحقيقة
إلى مرائي غير موجودة أو استحالة أن تكون موجودة ، فالخوف من الظلمة قد يحول الخوامي
المصنوعة من الثوب الأبيض إلى أجسام متحركة بفعل الرياح ، فتخيل لنا كأشباح أو
أجساد بمواصفات يسكها العقل ، ويصنع لها مواصفات تشبع قناعات الشخص المحضر للحدث ،
وهذه أمور بديهية طرأت مع الكثيرين لربما
وصنعت قصصا لا يقبلها العقال ، وخصوصا الأطفال الذين عايشوا سياسة الترهيب التربوي
في مراحل مبكرة من سنهم ، إذ تعد هذه الظواهر ذات ارتباط بالأبحاث السيكولوجية التي
تعمل على العامل النفسي أكثر مما لها ارتباط بالواقع المرئي ، وعامل الخوف هذا يغير
ملامح الحقيقة ليصنع مرائي وهمية لا صلة لها بالحقيقة ، طرح دلالي بعيد كل البعد
عن سياق العنوان ، لاكن يشمل وصفا شبه دقيق عن بعض ممتحني صفة العبقرية
الميثيولوجية ، لأنه وبصراحة صرنا نتعجب لبعض صانعي المحتوى من محللي الإشارات ،
الذين ما فتؤوا يصنعون من الطبيعة مرائي ميطافيزيقة ، ويحللون صخور نحثتها
الطبيعية وأعطتها شواكل قد تظهر مألوفة ، أو قد تظهر مشابهة لبعض الرموز التي نتطرق
لها بين الحين والآخر ، غير مدركين لعلوم دفينة تحت سقف الجيولوجيا وما يليها من
تبعيات ، فكتجارب تعلمتها من الطبيعة ومن البحث المكثف ، أن هناك عروق سطحية من
الكالسيت تتخلل الصخور السطحية ، لتتلاشى مع مرور الزمن بفعل عوامل التعرية ، وتترك
بذالك ندوبا على شكل إشارات حقيقية ، وقد نجد أحيانا جرونا منتظمة شكلتها الأملاح
المعدنية الطبيعية ، أو جائت نتاجا عن سيالات جرفية ومن قطرات المياه المنهمرة ،
هنا يأتي الباحث البسيط ليقع ضحية الطبيعة وضحية عوامل نحتها الزمن ، لاكن دائما
ما تخطئ الطبيعة الأم في تشكيل الأبعاد الهندسية للإشارة ، ويظهر معامل الخطئ
العشوائي الغير منتظم ، والإشارة الحقيقية في ظاهرها تظهر عليها ملامح الإبداع
الفني ، وآثار اليد البشرية المتمكنة من الحرفية والإتقان وانتظام في الهندسة ، وأما
الطبيعي هو ما يجعل خيال الباحث واسعا ، ليؤالف من مخيلته الصماء جنة عدن ويصنع من
الوهم حقيقة ، والإشارات المنتظمة الصنع كانت توضف لإبراز معالم لشيء ما ،
واستحالة أن توضع عبثا بدون أي اعتبار لرمزيتها ولا مكانتها التاريخية والعقائدية
، أي بمعنى صريح أن الإشارة كان لها وصف روائي لشيء غامض ، أو وصف لتجليات أحداث
تاريخية ربما ، ليس بالظرورة أن يكون كنزا أو وديعة أو شيء يلي سياق الكنوز
والدفائن ، فقد تكون الإشارة تجسيدا لقبر أو كهف مغلق أو بئر قديم أو طريق قوافل
أو ما شابه ، وكل شيء يأتي بناء على الميثيولوجيا القديمة ورمزية الإشارة أنذاك ، وأما
في حال ما إذا كانت الإشارة المتقنة الصنع تدل على كنز ثمين ، فغالبا ما ينفق
مجهود الصانع على شيء ثمين يعود لأحد النبلاء أو أحد الرموز التاريخية المعروفة ، ناهيك
عن الإشارات الجنائزية وخلافها ، وأما الودائع من الكنوز وهي أغلب ما يكون موجودا
على مستوى الميداني ، فلم تكن تحترم معايير محددة في الدفن أو قواعد لها مرجعية
مصاحبة للفترة ، وخصوصا عندما نتكلم عن التاريخ والحظارة ، إذ تعد أغلب هذه
الأنماط من الدفائن كلها جائت عن طريق السرعة وخوفا من النهب والتمرد على أملاكهم ،
لذا لم تكن هناك فرص لتوطيد صلة القرابة بين الإشارة والوديعة ، ولم تكن هناك حتى
فرضية تحترم بنود الرمزية العقائدية ، فكانت تزمم في وصايا تترك خلف أصحابها أو كانت
تدفن عشوائيا بالقرب من مقر سكناهم ، أو كانت تعتمد على أي بروز طبيعي ظاهر أو غير
طبيعي ككنوز الخرب مثلا أو كنوز الضيعات أو كنوز الكهوف السكنية أو الأضرحة ، لأن
عالم الإشارة في الحقيقة عالم من الإحتمالات اللامتناهية ، وعالم من عوالم الحظ
كأي سبيل من سبل البحث عن الرزق ، لا أقل ولا أكثر ، صحيح أن الغوص في تاريخ
الثقافات القديمة وبناء أساس معرفي تاريخي عن رمزية الإشارة ، وعن صفتها وفقا لكل
حقبة وكل ديانة ، قد يؤتي بأكله أحيانا وقد يحقق نتائج إيجابية ، وهذا هو الفهم
الصحيح لتحليل الإشارة ، وهذا ما نفتقده من صناع المحتوى مع الأسف .
وبالعودة
إلى الإشارة الحقيقية فغالبا ما تكون متقنة الصنع وبارزة للعين بدون أي شك أو لغوب
، تقريبا كالنحوث التي تزين بها الكاتيدرائيات قديما ، وأما الطبيعي فيظهر طبيعي
حتى ولو أضفنا عليه لمسات إقناعية وماورائية ، وخلافا لهذا الموضوع سنطرح تساؤل موجز
سيلخص لكم جزء كبيرا جدا في مجال الكنوز والدفائن .
فتخيل
نفسك تملك جرة من الذهب في عصرنا هذا ، وتخشى عليها من النهب والتسلط ، إذ تريد
طمرها إلى حين فوات موجة الخوف والهلع تلك ، مع العلم أن عالمنا اليوم يعج بآلاف
مؤلفة من الرموز والإشارات والمعتقدات ، فكيف سيكون دفنك لهذه الجرة ؟ هل ستعتمد
على الإشارات وعلى الرمزيات والماهيات الفلسفية ؟ أم أنك ستعتمد الدفن وفقا للبروز
الطبيعي الذي يدعم نظرية الإشارة النظرية ، أم ستعلم مكان الدفن بتغيير نمطي على
مستوى الطبيعة ؟ وهذه الإحتماليات غالبا هي إحدى الأولويات التي ستلجأ لها ، وإن
أمعنت النظر والتخمين جيدا فغالبا ما ستعتمد على علامة طبيعية في الدفن أو بالأحرى
الإشارة النظرية ، لأنك في الأساس لا تبحث عن رمزية الإشارات المواكبة لعصرنا هذا
ولا تفقه فيها شيء أصلا ، ولن تعتمدها كمعيار متداول ومشاع بيننا ، لأن الإشارة
أهل لأهل الإختصاص وليس أهل لشخص عادي ، أي أن أغلب الإحتماليات ستسوقك لاتجاه
واحد ، وهو تعليم مكان الجرة نظريا أو جعلك من البروز الطبيعي نقطة انطلاق ، هذا
أمر منطقي يلخص لك طور مهم جدا في مجال البحث عن الكنوز ، وأما فيما يتعلق بالكنوز
المزممة بنحت جداري أو بإشارة ثمينة ، فاعلم أشد العلم بأن صاحب الكنز أو الوديعة
، لم ولن يقدم لك ملكه على طبق من ذهب ، ويسند لك رمزية الإشارة وفقا لمعتقده أو
لمذهبه الديني ، وإن كان كذالك فاعلم بأن القدماء وبكل بساطة كانو غاية في الغباء ،
صحيح أن هناك احتمالات واردة بخصوص تثبيت الكنز بإشارة ، وأن التثبيت وسيلة بدائية
اعتمدت منذ نعومة أضافر الإشارة ، لتتطور بعد ذالك وتصير أكثر تعقيدا وحيادية ،
واصطلاح الحيادية هذا قد يفند الرمزية والعقائد وما جاورهما ، وأما إشارات التثبيت
فناذرا ما قد نصادف مثل هذا الحدث ميدانيا ، وناذرا ما سيتحقق هذا الشرط كون أن
الإشارة تتطور يوما عن يوم ، كما يتطور التشفير اللغوي واللفضي .
تعليقات
إرسال تعليق
إذا كان ليكم أي استفسارأو معلومة يرجى تضمينها