القائمة الرئيسية

الصفحات

 

بغلة القبور

تاسردونت نيصندال
بغلة القبور

مقدمة : مرحبا|عندما تحل اللعنة وتكفهر السماء بالغيوم ، ترى ملامح الغضب تتجسد في أبشع الصورة ، لتحكم عدالة السماء بالوعيد وينطق القدر ، فترى أو تسمع ما لم يأتي به سلطان من قبل ، ولك أن تخير بين أمرين إما اليقين أوالشك ، قصة امرأة خالفت شرع الله في العدة واتبعت هواها ، فكان مصيرها أن تركن في غياهب القبور بين الأموات ، لتنبذ كرها في العراء وتكتسي ضلام الليل ، قصة من الفولكلور المغربي ضاربة في عبق التاريح ، تفوح منها رائحة الأساطير الأمازيغية ، وروائع المعتقدات التي أغنت وتغنى بها تاريخنا العريق .

أحبابي ومتابعي قاناتي المحترمين ، قبل البدئ في نسج بساط القصة ، لا بد أن نلتمس دعمكم المبارك فضلا وليس أمرا ، وأن ننعم بمنكم المتواصل علينا ، عن طريق الإشتراك وتفعيل جرس التنبيه ، كي تتسنى لكم فرصة مواصلة المشوار وإيانا ، وكي تتمكنوا من متابعة أي طرح جديد وحصري ، كما نود الإشارة إلى روابط حساباتنا في صندوق الوصف ،  لكل من يود الإلتحاق بنا ومشاركتنا برأيه أو بأي معلومات إضافية .

بغلة القبور أو تاسردونت نيصندال ، عبارة عن تعبير اصطلاحي لامرأة زانية ، أو بعبارة أصح ، امرأة توفي زوجها ولم تحترم العدة الشرعية لخلع اللباس الأبيض ، هذه العدة أو فترة الحداد تقدر مدتها بأربعة أشهر وعشرة أيام ، إذ لا يجوز خلالها للمرأة المسلمة أن تتزوج قبل انتهاء فترة الحداد هذه ، أما أن تزني أو أن تنغمس في المحرمات فهذا مخالف لشرع الله في جميع الأحوال ، وعقب هذا الإثم العظيم والمبالغ فيه ، حلت اللعنة وصب الوعيد ، لتتحول عقبه المرأة إلى كائن مزدوج ، نصفه السفلي بغل ونصفه العلوي امرأة ، هذا الوصف أو التجسيد الميطافيزيقي يزيد من عنصر الإثارة ، ما يطرح الفضول في الأذهان لمعرف المزيد من الأوصاف ، إذ يحكى أن هذه الدابة يتخطى حجمها حجم البغل الأصلي ، ولها أعين حمراء يفوح منهما الشر وشرارات اللهب ، بحيث تجر خلفها سلاسل كقيود مدعمة بكماشات للقتل وتمزيق الأعضاء .

هذه المرأة بحسب الرائج والمتداول لدى الأوساط ، امرأة أمازيغية الأصل من ضواحي سوس جنوب المملكة ، كانت تعيش رفقة زوجها في ثبات واستقرار عائلي ، إلى أن وافته المنية لظرف من الظروف ، وعقب وفاته بمدة زمنية قصيرة ، لم تصمد الزوجة أمام رغباتها الجنسية ، لتقع عقبها في معصية الزنى ، وتبدأ بعدها خيوط الأسطورة تتخذ مسارات متفرعة ، وحفاظا على شرف الأمازيغ المحافظون ، كان من المرجح تجسيد عقاب زجري يصف الزانية والباغية ، حرصا منهم على شرف بناتهم وزوجاتهم ، بحيث أن هذه الأسطورة صارت شبه قاعدة زجرية لا يجوز مخالفتها ، وكل أرملة تخالف هذه القاعدة وتعيد كتابة التاريخ من جديد ، فإن مصيرها لا يقل أهمية عن سابقيها .

وبالعودة إلى جوهر القصة ، فإن هذه الملعونة صارت تعيش في المقابر وتنام بين الأموات نهارا ، بينما ليلا تخرج وتترصد الطرائد من الرجال ، كونهم كانوا السبب في لعنتها وقدرها ،  فإما أن تقطع أجسادهم إلى أشلاء انتقاما لها ، وإما أن تدفنهم تحت التراب وهم أحياء ، كما يحكى أنها قادرة على التشكل في أي هيئة تشاء ، واتخاذ ملامح متعددة من معارفها ، ما يؤهلها لأن تتخذ صفة أحد أفراد القرية للتمويه ، وبذالك تستطيع سياقة من تشاء ، إلى حيث ما تشاء ، وإن أدركها الليل بغثة ، تحمل أحد القرويين على ظهرها وتفر به إلى المقبرة .

وغرارا على كل الصفاة السالفة الذكر ، لا بأس أن نقتبس لكم وقائع من الفولكلور المغربي ، وقصص واقعية لبغلة المقابر ، دون المبالغة في السرد ، ودون طرح تساؤلات عن أوجه المنطق ، إذ روى رجل عجوز لأحد القنوات الوثائقية ، قصة مقتبسة من أحداث واكبت شبابه في فترة الخمسينيات ، إذ يقول أنه ذات يوم جن عليه الليل في الغابة ، فقرر العودة إلى القرية حاملا معه مصباحه اليدوي ، إذ لا سبيل مستوي لبلوغ القرية سوى المرور بجوار مقبرة منسية ، وبعد المسير المتواصل لبرهة من الزمن ، بلغ أطراف المقبرة بما يحيطها من وحشة ، وما كاد يتجاوزها حتى سمع أصوات خطوات تتبع مسيره ، هذه الخطوات كانت أشبه بحوافر مصحوبة بسلاسل من حديد ، حيث اعتقد الرجل في البادئ أن الخطوات تعود لدابة تجر وثاقها ، بينما لم يكن مدركا تماما بأنه كان متعقب ، ولكن بعد برهة من الزمن ، سمع صرخة امرأة دوت أرجاء المقبرة ، وكأنها تتعذب جسديا أو تصارع الموت ، فما كان له من خيار مرجو سوى الملاذات بالفرار ، والبحث عن أقرب مكان يحتمي تحت لوائه ، فلم يجد في نصبه سوى شجرة من خروب شامخة ، تسلقها بكل ذعر وأنفاسه تتقطع خوفا من المجهول ، حتى أدركه الحيوان المتوحش على حين غرة ، إذ بدأ يزحزح به الشجرة وكأنه يريد اقتلاعها من جذورها ، فما كان له من خيار سوى الثبات وقراءة ما تيسر من القرآن أملا في النجاة ، إذ يروي أن ظلام الليل الحالك منعه من تمييز ملامح الكائن ، فلم يستطع رؤية سوى عيناه التي كانتا متوهجتان كالشرر .

ظل الرجل متمسكا بالحياة حتى آذان الفجر ، بعدها انصرف الحيوان وبزغ البذر وشع النور ، ثم استكمل مسيره إلى القرية ليروي لهم هول ما جرى ، وعندها علم أن الكائن الذي طارده كانت بغلة المقابر .

طبعا أي عاقل منا سيصف الحدث بالمزج المزدوج للخيال والظواهر الغريبة ، ولطالما سمعنا أساطير غامضة لها وصف علمي آخر ، إذ تبرز تجليات الأسطورة في شأن ، بينما الحقيقة لها شأن آخر ، وهذا ما سنرويه لكم خلال هذه القصة الحقيقية .

إذ يروي رجل من مدينة صفروا بالمغرب ، أنه عايش ظرفا أشبه ما يكون أقرب لبغلة المقابر ، هذا الرجل الذي يقطن في منطقة منعزلة عن المدينة تسمى بباب أمطماط ، وهي بقعة واقعة على الخريطة بين مدينة صفروا وجماعة صنهاجة ، إذ لا يبعد مقر سكنه عن المقبرة إلا بكيلومتر ونصف ، هذه المقبرة التي تقع على أطراف المدينة تسمى بضرضورة ، وهو مصطلح أمازيغي للمرأة الصماء أو المرأة الفاقذة للسمع .

بطل قصتنا هذه رجل بدوي  يمتهن تجارة الأبقار والفلاحة ، إذ يروي أن من ضمن أبقاره بقرة سوداء اللون غريبة الأطوار ، هذه البقرة لا تطيق رفقة القطيع المؤلف من 42 بقرة ، إذ تتوارى عن القطيع كل يوم باتجاه المقبرة ، كون أن للمقابر حرمة في الإسلام ولا يتخذها الرعاة عادة مقرا للرعي ، وبذالك تجدها تعج بالكلاء والأعشاب والحشائش ، وهذا ما استأنسته هذه البقرة لمدة تزيد عن ثلاث سنوات ، فكان الرجل مجبرا على إرجاعها للإصطبل في حال غيابها ، وذات يوم بعدما تفقد مجمل الأبقار لم يجد تلك البقرة ، فكان مجبرا على الذهاب للمقبرة وإحضارها ، خشية أن تلتهم من طرف الكلاب المفترة ، حيث كانت الساعة تشير حينئذ إلى الواحدة والنصف بعد منتصف الليل ، وبعدما بلغ المقبرة أنار مصباحه اليدوي ، وبدأ يصدر أصوات تستعمل عادة كأداة للفت انتباه الأبقار ، فما لبث كثيرا حتى رأى دابة سوداء تتقدم باتجاهه مباشرة ، كان يعتقد في بادئ الأمر أنها بقرته المفقودة ، لاكن ما لاحظه كان غريبا جدا ، حيث لاحظ أن هذه الدابة كلما تقدمت نحوه صار حجمها أكبر وأكبر ، فما كان له من خيار سوى الركض صوب الحي المجاور ، خشية الوقوع ضحية بغلة المقابر ، والتي صار صيتها مدوي في أرجاء المدينة ، كون أن بقرته هذه شوهدت كثيرا من طرف الأهالي ، ما أطلق العنان لحقيقة وجود بغلة القبور في مقبرة ضرضورة ، لاكن ما شاهده الرجل لم يكن بقرة ، وهذا ما جاء على لسانه شخصيا ، كونه كان مدركا لحقيقة الدواب التي تتغذى على أعشاب المقابر ، واحتمال أن يكون ما رآه روح من البعد الرابع .

لذا فإن بغلة القبور تظل مجرد أسطورة متوارثة لا أقل ولا أكثر .

 

author-img
أبو محمد ابن يمين باحث متواضع في مجال التعدين و الآثار و حاصل على شهادة البكالوريا سنة 2006 بمدينة فاس ثانوية سيدي ابراهيم شعبة العلوم التجريبية ، جاب خلال حياته مجموعة من المجالات منها الفني والثقافي والحضاري إلى أن حط الرحال في مجال البحث عن الثراء من خلال ميدان التنقيب عن المعادن والأحجار الكريمة إضافة إلى مجال الأسياخ النحاسية التي بدأ يدرس أسسها بطرق فيزيائية علمية منذ 3 سنوات أي في سنة 2017 تحديدا حيث نال مرتبة متوسطة و متواضعة إلى حد ما فيما يخص الكشف عن الفراغات والدفائن والمياه الجوفية ، وفي الفترة الأخيرة من سنة 2019 بدأ يهتم بمجال الإشارات وفك رموزها انطلاقا من الحظارات القديمة والعادات القبلية التي جاءت مصاحبة لكل حظارة كما يتمنى أن يرقى بمستواه الفكري ومستوى كل قارئ وزائر لهذه المدونة المتواضعة وبفضل الله وفضلكم سنحقق المستحيل إنشاء الله

تعليقات