نظرية الآثير
مرحبا : في
أواخر القرن التاسع وعشر وبداية مطلع القرن العشرين ، صار المجتمع العلمي يعيش على
وقع ثلة كبيرة من شارات الإستفهام والتعجب ، ردود فعل عالمية انساقت لجوب غوازي مستوى
خفي من المادة ، فأيدت بذالك أجزاء مهمة من ميكانيك الكم ، بينما هدمت نظريات ومعادلات
رواد أسس على يدهم صرح العالم الحديث ، نظرية لربما يراها العوام وليدة الحاضر بينما
يراها الزمن جزأ من الماضي ، نظرية الآثير أو النظرية الشبح .
الآثير بحسب
الوصف الكلاسيكي يعتبر كعنصر وجودي ذو سمات وصفات معينة تملائ الفراغ برمته ، هذا
الفراغ الذي نراه نحن بحسب المستوى الوجودي لدينا فراغا ونحتسب على كونه فراغ ،
لاكن بحسب مستويات أخرى تقبع تحت سقف ما لا نهاية من العوالم المتناهية الحجم فالأمر
يختلف تماما ، نظرا لتوفر عدة أدلة مرجعية في الشريعة الإسلامية تدعم هذا الفصل من
ميكانيك الكم ، عموما في عصور ما قبل النهظة الفكرية عبر الخيميائيون عن هذا الآثير
بالعنصر الخامس ، أو العنصر الذي يكمل باقي العناصر الأربعة من نار وماء وتربة
وهواء ، إذ أسست هذه الفكرة بناء على فلسفة الماورئيات والميطافيزيقا بدأ من ثقافة
اليونان القديمة وصولا إلى عصرنا هذا ، ليأتي إنشتاين حديثا بنفس هذا التعبير في
نظريته النسبية الخاصة ، بحيث يمكن اعتبار الزمان على أنه وسط غير فارغ في مستويات
تتخطى المستوى الكمي المعروف لدينا اليوم ، لاكن في ثقافة اليونان القديمة حمل الآثير
اسم آلهة السماء أو آلهة الجزئ العلوي من السماء ، والذي يتسم بنسمات عذبة ورقيقة
وأشعة صافية ، بينما في الفيزياء الحديث وخلال أوائل القرن التاسع عشر اعتبره العلماء
وسطا ماديا خفيا يحمل خصائص معينة غير معروفة وغير قابلة للقياس ، وانطلاقا من أولى
التجارب المقدمة بهذا الخصوص اتضح فعلا على أنه كذالك ، إذ أقدما عالمان على
القيام بتجربة سنة 1987 في مدينة كليفلاند بأوهايو ، مفادها قياس سرعة كوكب الأرض
بالنسبة للأثير ، وهم ألبيرت ميكيلسون وإدوارد مورلي ، إذ قدما تجربة رائعة جدا
تفي بمقارنة سرعة الضوء المتجه لأكثر من اتجاه واحد ، عن طريق عكسه ببعض المرايا مع
استخدام جهاز للقياس ، ثم بعد ذالك ملاحظة التغيرات التي تطرأ على سرعتة لتحديد
الحركة النسبة له بسبب تأثير رياح الآثير ، لاكن ثبت في النهاية على أن الأرض لا
تتحرك خلال الآثير وأن حركة الضوء لا يطرأ عليها أي تغيير ، وكان نجاح هذه التجربة
لربما سيدعم نظرية الآثير بشدة ويعزز من قدرة
تأثيره على مستويات مادية أكبر كالكواكب والنجوم وغيرها ، لاكن بعدما قدم هنريك لورنز
أولى تجاربه بهذا الخصوص اكتشف على أن الآثير يسمح للأجسام بالحركة لاكن بشكل معقد
جدا .
يقول
العالم لويس دي برولي بأن أي جسم كان سيكون على اتصال طاقي مستمر مع وسط خفي من
أشكال المادة ، هذا الإتصال الذي قد يكون اهتزازي بنغمات وترددات متوافقة أو
متقاربة في الشدة والطور ، أو قد يكون بوسائل غير معروفة وأكثر تعقيدا مما نعرفه
اليوم ، وفي سنة 1982 يقول الروماني لوام لوفيتز بوبيسكو بأن الأثير هو أحد أشكال المادة
لاكن يختلف جزئيا عن جل أشكال المادة المعروفة لدينا اليوم سواء المدرك منها أو
الكمي ، وهذه النظرية نوعا ما أقرب للمنطق والصواب وهي الجزئ الذي سنبني على
خلفيته معنى اصطلاحي لمفهوم الأثير ، ولعل أقرب من عزز من تعبير لوام لوفيتز بهذا
الخصوص هو الروسي نيكولاي كوزريف ، إذ آمن قبل عصر الثورة الرقمية بأن المادة هي
أحد أشكال الآثير وهي جزى لا يتجزئ منه ، ومما لا يترك مجالا للشك ظهور عدة نظريات
في أواخر القرن العشرين تخص عوالم ما تحت المادة كالطاقة المظلمة وطاقة نقطة الصفر
والجسيمات الإفتراضية والتدفق الفراغي وغيرها من النظريات التي صارت تدعم نظرية
الآثير بشدة وتطرح فرضيات أخرى لا حصر لها ، إذ اعتقد العلماء فيما مضى بأن الضوء
المرئي لا بد له من وسط خفي ليمر من خلاله ، وذالك انطلاقا من حركته الموجية ،
فكيف له أن يتصرف تصرف مزدوج في وسط فارغ تماما ، فلا بد من توفر ظروف تأثير معينة
تحول بين الضوء وبين حركته ، إذ اكتشفوا مؤخرا بأن سرعة الضوء تتأثر أيضا باتجاه
دوران الأرض ، طبعا نظرية الآثير تناقضت تماما مع نسبية غاليليو غالي والتي تنص
على أن الكون لا يوجد به أي إسناد قصوري مطلق ، وهذه النظرية نسبية تماما لأن
الأمر لا يتعلق بالمادية القابلة للقياس ، بل وبأجسام دقيقة جدا لها تأثير قصوري على
مستويات أكبر منها بقليل في سلسلة تتماشى تصاعديا من ناقص مالانهاية إلى زائد ما
لا نهاية ، طبعا وجهة نظر العلم تبقى دائما وأبدا نسبية ، لأن العلم هو كشف للحقائق
العلمية نسبيا بينما المعرفة وهي إدراك للشيء على ما هو عليه ، كل ما تقدمنا به
سلفا من وجهة نظر العلم ، لاكن من وجهة نظر الإسلام والمنطق وحتى الفلسفة فالفرق
كبير جدا بين هذا وذاك ، لأن المستويات او الأحجام المادية سواء المرئي منها أو
الغير قابل للرؤية ليست لها بداية ولا نهاية ، وأقصى ما توصل له العلم حاليا ليس
إلا نظرية صيغت على يد العالم ميتشيو كاكو مكتشف نظرية الأوتار الفائقة ، لاكن
المستوى الأخير الذي يمثل جوهر الوجود بأكمله بحسب زعم إنشتاين وداعمي النسبية لم
ولن يتوصل له العلم مهما تطور وتقدم ، لأنه لا وجود أساسا لمستوى أخير على الإطلاق
، سواء إلى ناقص ما لا نهاية أو إلى زائد ما لا نهاية ، وهنا سأتقدم بمثال بسيط
جدا لربما قد يراه البعض مثالا ساذجا ، لاكن باطنه تنجلي خلفه المعرفة بكل ما تحمل
الكلمة من معنى ، طبعا نحن كمسلمون نؤمن بأن الله على كل شيء قدير ، ونؤمن بأن
الله لا يعجزه شيء لا في السماوات ولا في الأرض ، ماذا لو طرحنا سؤال يقتضي قدرة
الله سبحانه وتعالى في تقليص أو تدقيق حجم البشر ، فهل يستطيع سبحانه وتعالى أن
يقلص من حجم البشر لدرجة أنه لو وضعهم على سطح إلكترون لبان لهم بحجم الأرض ، فما
هو جوابك يا ترى ؟ نعم أنت كمسلم تؤمن بأن الله قادر على خوض غمار هذا التحدي ، إنما
أمره إذا أراد شيء أن يقول له كن فيكون ، إذن
تخيل معي وأنت بذاك الحجم المهمل ، ماذا كنت لترى على سطح إلكترون بحجم كوكب الأرض
؟ هل كنت لتراه جسيما أوليا أم كنت لتراه كوكبا قائما بذاته ، طبعا الإجابة تقتضي أن
تقول بأنك وأنت على هذه الأرض أشبه بكونك على سطح إلكترون ، وأن الإلكترون أخطأ العلمان
في تقديره وتصنيفه كجسيم أولي ، لأنه بعد هذه التجربة النظرية لم يعد كذالك ، فهو
كوكب لربما به حياة وعوالم خفية غير معروفة لا يعلمها إلا الله ، ولو تحقق هذا
الشرط لكنت لتكتشف كذالك وجود عالم كم آخر يقبع تناسبا مع المستوى الذي نزلت إليه
بقدرة الله عز وجل ، وهكذا إلى ناقص ما لا نهاية .
نأتي
الآن إلى السفر خارج هذا الكون أو إلى زائد ما لا نهاية ونحاول أن نكتشف حدود
الوجود ، تخيل معي لو بلغ الجنس البشري قدرا من العلم يخول له الخروج خارج النطاق
الكوني ، هل كان ليجد حدا للفراغ ؟ هنا سيحتار عقلك في الإجابة ، لأننا وبكل باسطة
معدلين على قدر محدود من الإستيعاب ، وغير قادرين على تخيل الوجود أو مفهوم الوجود
كمصطلح ، لاكن بحسب ما ورد في الشريعة الإسلامية أن الله هو الذي لا يسعه زمان ولا
مكان ، فكي يحمل الله جل وعلا هذه الصفة الربوبية فلا بد له من أن يكون مطلق ، لأن
كلمة لا يسعه مكان تعني بأن الوجود نفسه مطلق وأن اللانهائية غير موجودة ، وأن
الله لا وجود لفراغ ولا لمكان يسعه ويحتويه ، ولو كان الوجود محدودا لكان احتمال
وجود وجود آخر وارد ، وهذا ينفي ويناقض هذه الصفة الإلاهية وحاشا لله أن يكون غير
كذالك ، أي بمعنى أن البداية والنهاية غير موجودة لوصف الوجود ، والأمر أشبه تماما
بعد الأرقام إلى زائد ما نهاية أو إلى ناقص ما لا نهاية ، وهنا يتجلى الإعجاز العلمي
في خلق الله .
وبالعودة
إلى مفهوم الفراغ كي نكون واقعيين ومنصفين في حق العلم والمعرفة ، فالفراغ جزئ لا
يتجزئ من المادة ، والإيثر نفسه مادة لاكن تخضع لمستوى غير معروف ومرئي ، وكي نفهم
هذه الجزئية مليا سنعطيكم مثالا بسيطا جدا يقطع الشك باليقين ، تخيل معي تلك القطعة
الصغيرة من الحجر وأنت تحملها بين يديك وتتأمل أبعادها ، فهل ترى بها من فراغ ،
لربما قد تظهر عليها بعض المسام الدقيقة خلال الفحص بالمجهر الإلكتروني لاكن
بالعين المجردة فلا ، إذن ماذا لو نزلنا للمستوى الكمي ووضعنا إطلالة سريعة على
نفس هذا الحجر ماذا كنا لنرى؟ طبعا كنا سنرى تركيبة لا متناهية من الذرات المتقاربة
مع بعضها البعض مع وجود حيز للفراغ بين كل ذرتين ، وكنا لنرى فواصل من الفراغ بين
مستويات الطاقة الخاصة بكل نواة ذرة ، وهذا الكلام ليس من وحي الطبيعة بل تحكمه قوانين
بور لللفيزياء ، بحيث يقدر نصف قطر ذرة الهيدروجين ب 0,53 أنغستروم ، وهذه القيمة
تستعمل مبدئيا لوصف المسافة بين ذرات الأجسام الصلبة ، بحيث تقدر وحدة الأنغستروم
ب 10 أس ناقص 10 جزئ من المتر ، أو بعبارة أقرب للفهم ف1 ميليمتر يقدر ب 10 ملايين
أنغستروم ، بحيث أن هذه المسافة عبارة عن فراغ ، لاكن من زاوية المستوى الذي نعيش
فيه والحجم الذي نبلغه فنحن غير قادرين على رؤية هذه الفواصل المهملة ولاكن نؤمن
بوجودها ، فمثلا مجرة درب التبانة تحتضن مساحات شاسعة من الفراغ الكوني ، وكوننا
كائنات مهملة الحجم والكتلة مقارنة بالمجرة فنحن قادرين على رؤية الفراغ الشاسع
الذي يجوب المجرة ، يعني معادلة عكسية بين الحجر والمجرة ، ولاكن إن نظرنا إلى
مجرة درب التبانة من على بعد 5 ملايين سنة ضوئية لرئيناها عبارة عن كتلة صخرية صلبة
منعدمة الفراغ ، تماما كالحجر الذي نراه في الطبيعة متماسكا وصلبا ، والسبب راجع
إلى المستوى الذي صرنا فيه وزاوية الرؤيا التي نرى منها الحقيقة ، وهذا المثال
تنطوي تحت لوائه الكثير من أشكال الحياة ، فلو نظرنا إلى سرعة الضوء داخل الكون
لرئيناها كأقصى حد للسرعة وهي أقصى ما يمكن أن يكون ، ولقد أخطأ إنشتاين في تقديره
ووصفه لهذه السرعة حينما قال بأنها أقصى حد للسرعة في الكون ، وأن عداد الزمن
يتوقف في حدود هذه السرعة ، لاكن بحسب فهمي المتواضع أراها سرعة مهملة وغير موجودة
البتة ، لأن السرعة في الأساس كالأرقام والحجم والكتلة وعوالم ما تحت الكم ، ليست
لها بداية ولا نهاية ، فلو خرجنا على نطاق كوننا هذا لرئينا بأن سرعة الضوء تحتاج
إلى مدة زمنية تقدر ب 14,8 مليار سنة ضوئية لعبور قطر الكون، حتى ولو كان اليوم الواحد
خارج نطاق الكون هذا يعادل مليون سنة مما نعد ، فإننا سنلاحظ بأن سرعة الضوء مهملة
وغير موجود أساسا ، ولو أن هذه القيمة غير مذكورة حتى في القرآن الكريم ، لذا من
الأجدر أن نصنف الأشياء بحسب المستوى الذي تخضع له والقوانين التي تحكمه ، عموما
نعود إلى جوهر طرحنا هذا ، فالآثير حتى ولو توصل العلم إلى بلوغ مستواه فسيضل
يعتقد بأنه مستوى غير مدرك وملموس ، وبهذا يبقى الإعتقاد قائما ما دامت السماوات
والأرض ، وسيضل الآثير مجرد نظرية أو أسطورة غير موجودة أساسا ، لاكن الأجدر في المعرفة
أن نحدد له مستوى معين لينطبق عليه الوصف والصفة ، أو أن نجد له تأثير قابل للقياس
والضبط ، وبهذا نستطيع التعرف عليه مع تقدم العلم والتكنولوجيا .
تعليقات
إرسال تعليق
إذا كان ليكم أي استفسارأو معلومة يرجى تضمينها