بئر كولا|بوابة الجحيم نحو العالم السفلي
مقدمة : من منكم من لم يسمع عن بوابة الجحيم ومن منا من لم يقف بين مطرقة وسندان في فهم الحقيقة من منكم من لم يعنون نصوص هذه القصة بعناوين مثيرة لإضفاء الجانب الحماسي منها عناوين لافتة تسوق تفكير المتلقي إلى الفضول في اكتشاف ألغاز القصة هذه القصة التي تضاربت حولها الروايات ، وشغلت المنابر الإعلامية العالمية المتلفزة منها والكتابية وحتى الرقمية قصة لا تخلوا من عنصر المفاجئة في أكبر مشروع أقدم عليه البشر على الإطلاق
مبدئيا سنلتمس
الجانب المادي والمحسوس من القصة ، لنفهم المغزى ونفهم بناء على أي أساس جائت فكرة
البئر، ثم ننتقل بكم إلى الجزئ الغامض من قصتنا ، ليس بغرض التشويق والإثارة ، إنما
لبناء فكرة ملموسة ومادية خالية من التناقد
فبعد
انتهاء الحرب العالمية الثانية في أيلول من سنة 1945 ، بدأ صراع الجبابرة في ما
سمي أنذاك بنظام توازن الرعب. هذا المصطلح الذي يعتقد أنه سك على يد ليستر بيترسون
في يونيو من سنة 1955، وتحديدا في الذكرى العاشرة لتوقيع ميثاق الأمم المتحدة ، هذا
النظام الذي دخلت إثره الولايات المتحدة والإتحاد السوفياتي في حرب باردة دامت ل 44
سنة ، أي ما بين عامي 1947 و 1991 .
هذه الحرب
التي كانت تصعيداتها ستؤدي إلى حرب نووية لا مفر منها ، إلى أن خلص التوتر بانهيار
الإتحاد السوفياتي سنة 1991 .
وفي ظل
هذه التوترات كانت كلتا القوتان تسارعان إلى التسلح والإستثمارات العظمى لفرض الهيمنة
، فلجأت الولايات المتحدة الأمريكية إلى غزو الفضاء وغزو السواحل ، كأول تحدي من
نوعه يستوفي إطلاق أول شرارة للسباق نحو الحفر عالميا ، وذالك من خلال بناء مشروع أطلق
عليه إسم موهول سنة 1961 ، هذا المشروع الذي كان يرمي إلى إنشاء حفرة في قاع
المحيط ، بغية اختراق الطبقة الأفقية من الوشاح الأرضي ، هذا المشروع الذي تلاه
إخفاق ذريع لقساوة الطبقة الأفقية القارية ، ولعدم توفر الإمكانيات الظرورية لمقاومة
كثافة التربة وحرارة الأعماق ، كما أنه لم يكتمل لنقص التمويل الذي صاحب هذا
المشروع بغض النظر على العوامل السياسية ، إذ أن الإخفاق هذا جاء على اليابسة ، الشيء
الذي ساقهم إلى استغلال البحر في إنجاز وإتمام هذا المشروع الضخم ، والذي بلغ عمقه
إلى غاية 9583 متر ، هذه الحفرة التي سميت بحفرة بيرثا روجرز الواقعة في مقاطعة
أوكلاهوما
ثم لجأت
الإتحاد السوفياتي في 24 ماي من سنة 1970 إلى فرض التحدي ، بالدخول في مشروع مماثل
يستوفي بناء بئر يصل إلى 15000 متر تحت الأرض ، هذا البئر الذي صار محط جدل إعلامي
كبير حول العالم ، مخلفا ورائه ألغاز لم تفك بعد .
بئر كولا
أو ما يسطلح عليه ب kola superdeep borehole ، البئر
الذي يعد أيقونة خارقة لقوانين الطبيعة في الوقت الراهن والتي لم يشهد له التاريخ
مثيلا ، بئر وصل عمقه إلى حوالي 12262 متر
عن مستوى سطح الأرض ، العمق الذي لم يصل إليه أحد من قبل بين الفترتين الزمنيتين
1989 و 2008 , إلى أن تم بناء بئر شهين النفطي والذي حطم الرقم القياسي العالمي بفارق
27 متر فقط ، هذا البئر الذي بلغ عمقه 12289 متر .
وهذا
العمق نسبيا لا يشكل سوى 100/30 من عمق الوشاح الأرضي ، والذي قدر العلماء عمقه بأربعون
(40)
كيلومتر .
إلى أن
تم توقيف مشروع بئر كولا سنة 1992 بعد انهيار الإتحاد السوفياتي بسنة واحدة ، لاكن
بحسب مراجع أخرى فيرجح توقيف المشروع إلى سنة 1989 .
هذا البئر
الذي تمركزت قاعدته في محطة الأبحاث السوفياتية التابعة له في شبه جزيرة كولا ، والواقعة
في الدائرة القطبية بين الحدود المشتركة لدولة النرويج وفلندا , حفرة بلغ عمقها
كما ذكرنا سالفا 12262 متر وبلغ قطرها حوالي 23 متر ، وعلى غرار هذه المنافسة الشرسة
في غزو الفضاء والسباق نحو التسلح ، تدخل ألمانيا على خط غزو الأعماق سنة 1987 في
ولاية بافاريا ، كنوع من استعراض العضلات ونوع من التسابق في مجال الهندسة والتيكنولوجيا
، حيث أسفر البرنامج الألماني للحفر سنة 1987 من غزو عمق يصل ل 9101 متر ، متصدرة
بذالك المرتبة الرابعة عالميا بعد الولايات المتحدة الأمريكية ، وأما في ما يخص
التواريخ أنذاك ، فلا أحد استطاع بلوغ هذا العمق الذي حطمه الإتحاد السوفياتي كرقم
قياسي جديد ، إلا على يد دولة قطر .
إذ أسفر نقص
الدعم والتمويل عن تباطئ الحفر سنة 1983 بعد بلوغ عمق 12000 متر ، ما أدى إلى
انهيار كارثي طمر جزء كبير من البئر يصل عمقه إلى 5 كيلومترات ، هذا الجزئ الذي لم
يكن محتسب ضمن تكاليف المشروع ، ولم يكن مخططا لحدوثه ، ما أرغم القائمين على هذا
المشروع من علماء ومهندسين إلى معاودت الحفر من جديد ، واحتساب الخسائر الفادحة
التي أفشلت إتمام المخطط الرامي إلى إنشاء حفرة يبلغ عمقها 15000 متر .
لذالك أصبح
الطاقم مجبرا على إخراج الأنقاض البالغ عمقها 5000 متر ، لينتهي بذالك المشروع سنة
1989 دون تحقيق الغرض المطلوب .
هذا
العمق الذي بلغت درجة حرارته 180 درجة مئوية ، جعل من التوغل أمرا شبه مستحيل ، لعدم
توفر الآليات القادرة على تحمل حرارة بهذه الدرجة ، لاكن هذا الإنجاز الغير مسبوق
والأول من نوعه خلق طفرة غير مسبوقة في علم الجيولوجيا ، وأبان عن علوم كانت حبيسة
الأعماق منذ بدأت الخليقة إذ كشفت الأبحاث الأولية أن عمر الأرض يقدر ب 1,5 مليار
سنة .
كما أطاح هذا الإنجاز العظيم ببعض النظريات
العلمية التي سيئ فهمها سابقا ، ما أدى إلى إعادة النظر والتخمين جيدا في نظرية
المنشأ البيولوجي للنفط والغاز ، إذ أن النظرية تقول بأن هذه الأعماق يستحيل فيها
وجود مواد حيوية ، ما حال إلى تفنيد هذه النظرية النسبية ، وخصوصا بعد اكتشاف غاز
الميثان والمياه المعدنية الساخنة ، ولأن النظرة العلمية نحو جوف الأرض تستند
لمعاملات الضغط والكثافة ، ولأن كثافة الطبقات التيكتونية في هذا العمق قاسية جدا ،
وقادرة على منع المياه الجوفية من النفاذ إلى أسفل ، كما أن درجة غليان المياه لا
تتخطى 100 درجة سيلسيوس ، وما وصل إليه السفيات يتخطى هذه القيمة بنسبة 100/100
تقريبا ، أي أن هذا العمق لا يتناسب علميا مع إمكانية وجود مياه جوفية .
ربما قد
تكون مزاعم فقط ولاكن ما تناقلته صحف الإعلام يؤكد ذالك ، وبعد بلوغ عمق 9450 متر عثر
العلماء على معدن الذهب وأحجار ألماس طبيعي ، وهذا أمر بديهي ومسلم به ، كون أن
الألماس يحظى بقساوة 10 درجات على مقياس موس ، ما يصنفه كأعلى قيمة صلادة على وجه
الأرض ، وهذه الصلادة تنشأ تحت ضغط ودرجة حرارة عالية جدا .
تم أغلق
مشروع بئر كولا سنة 2005 وتم طمره بالكامل سنة 2008 ، بعد جهد كبير وميزانية ضخمة
ومدة استغرقت 20 عاما من الحفر ، مخلفا ورائه روايات وأساطير وردود فعل كثيرة تتخطى
حدود العقل والمنطق ، وهذا تحديدا هو الجزئ الغامض من القصة ، وهذا هو بيت القصيد
.
فبعد الإنتهاء
من عمليات الحفر وخصوصا في مثل هذه الأعماق ، لاحظ العلماء بعض الصفات الجيلوجية
الشاذة لطبقات الأرض ، وهذه الصفاة تعتبر كنوع من النشاط البيولوجي الباطني ، والذي
يتوافق مع العلم ولا يتناقض مع سماع الأصوات المخيفة ، كون أن الأرض كوكب نشط
يتمتع بظروف جيولوجية دورية متتالية ، وأن قلب الأرض ينبض بالحياة كأي كائن
بيولوجي حي بالرغم من الشهادات المتداولة ، إذ أن المزاعم الواردة تقول بأن العلماء
القائمين على هذا المشروع ، أنزلوا ميكروفونات شديدة الحساسية ومقاومة لدرجة
الحرارة ، وسجلت بذالك ملفات صوتية مرعبة جدا قيل بأنها أصوات المعذبين ، إذ لم
يمضي وقت طويل حتى حظيت القصة باهتمام التابلويد الأمريكي ، وشقت طريقها بذالك إلى
شبكة الثالوت للبث الأمريكي TBN، هذه الأخيرة التي زعمت أن
الملفات الصوتية تحاكي نصوص الكتاب المقدس عن الجحيم .
كما قيل
أن أول تقرير بث في الولايات المتحدة الأمريكية ، جاء على يد الصحيفة الشعبية وورلد
نيوز ، وكل هذه الأسطوانة المعاد تكرارها تدور حول أصوات الصراخ ، وحول ظهور
خفافيش تخرج من الحفرة بحجم إنسان ، كما أكدت بعض التقارير موت 13 من العمال أثناء
الحفر في ظروف غامضة .
في
الحقيقة تم نسج هذه القصة وفقا لمعطيات وأحداث لا علاقة لها ببئر كولا ، إذ أن
القصة المنسوبة له تدور حول فريق من علماء الجيولوجيا ، أقدموا على حفر حفرة في
سيبيريا بعمق 9 أميال ، بقيادة مستكشف يدعى أزاكوف ، وبعد بلوغ تجويف على هذا
العمق ، أنزلوا ميكروفونات مقاومة للحرارة ومعدات حسية شديدة التعقيد ، ثم بدأو
بسماع أصوات صادرة عن أشخاص يعذبون في الجحيم ، لاكن بعد التحقق من هذه التسجيلات
الصوتية لاحقا ، تم الكشف عن زيف الأصوات المفبركة ، والتي تعود للموسيقى
التصويرية لفيلم بارون بلود المعدل سنة 1972 ، مع بعض الإضافات من المؤثرات
الصوتية ، وهذه القصة تقريبا تفند كل المزاعم بخصوص بئر كولا الغامض ، لأن الحادثة
وقعت في سيبيريا وبئر كولا يقع في شبه جزيرة كولا ، وكل هذه المزاعم ما هي إلا نسج
من خيال ملفق ومستحدث .
ومع تداعي
صيت هذه القصة الغريبة ، سمع مدرس نرويجي بتفاصيلها على شبكة TBN يدعى
ريندالن ، فلم يتوانى في مراسلة الشبكة مدعيا أنه لم يكن مقتنعا بتفاصيل هذه القصة
في البداية ، معتبرا أن كل تلك الشائعات مجرد حماقة وسذاجة جماعية ، لاكن ما إن
عاد إلى النرويج حتى قرأ سجلا واقعيا ، يؤكد صدق كل الكلام الرائج حول بئر كولا ، وأن
القصة حقيقية وخالية من كل الأخطاء ، وأن معطيات السجل أيضا مبنية على شهادات الشهود
الحاظرين على الحقيقة ، والذين سمعوا أصوات الصراخ من داخل الحفرة ، ورأو شبح يشبه
الخفاش خارجا من الحفرة ومحلقا في سماء روسيا ، ولاكن بحسب كل المشرفين عن عملية
الحفر من طاقم عمال وعلماء أكدوا أن كل تلك المزاعم هي من نسج الخيال .
لذالك
يبقى بئر كولا لغزا محيرا لم يتم فكه إلى غاية الآن
تعليقات
إرسال تعليق
إذا كان ليكم أي استفسارأو معلومة يرجى تضمينها