نقمة العقل الباطن
بسم الله الرحمان الرحيم
_العقل الباطن :
هو الجزئ الأكبر من عقل الإنسان والذي يسيطر على ما يفوق 100/90 من سلوكياته وتصرفاته ، وهو مصمم لحفظ كل التجارب الواعية التي مر بها العقل الواعي طيلة فترة حياة الإنسان ، وأي ضرف زمني يكون له تأثير نفسي أو عاطفي ينقل مباشرة للاوعي ، إذ يعد هذل العقل بمثابة خزانة كبيرة جدا تحتوي على كل تجارب الإنسان وأفكاره ومشاعره وأحاسيسه التي لم يعد لها وجود حتى في الذاكرة الواعية ، ولربما قد يخالج الإنسان شعور ما يوازي شعور آخر مر عليه في الماضي ، فيستعيد كافة المعطيات التي مرت به خلالها ، لأنها تعتبر بمثابة تجربة مرت مرور الكرام وتغاضاها العقل الواعي ، لاكن ظلت محفوظة في سجلات اللاوعي ، أي أن التجارل الحياتية ممكن أن ينساها العقل الظاهر ، لاكن تظل مخزنة في اللاوعي ، إذ يستعيدها العقل الباطن اعتمادا على بعض المواقف التي تولد تلك الإنطباعات الآنية وقت تسجيلها وأرشفتها ، أو قد يستعيدها في بعض حالات الشروذ الذهني ، والذي يأخذ الوعي باتجاه مغاير للوضع الحالي ، ليضل اللاوعي مسايرا للحالة والوضعية والوضيفة التي يمارسها الإنسان لحظيا ، وكأن العقل الواعي هو الذي يسيطر على زمام الأمور ، وهذه الجزئية أقرب ما تكون مشابهة للطيار الآلي الذي يعتمد عليه ربان الطائرة في بعض الحالات الحرجة ، بحيث يعتمد هذا الطيار في نظامه على برمجة تؤهله من اتخاذ مسار جوي معين والتعامل مع الظروف المناخية بناء على كل المعلومات المسجلة به ، وكأن الطائرة تخضع لسيطرة الربان ، نفس الشيء ينطبق على العقل الباطن .
_برمجة العقل الباطن :
أغلب الفلاسفة والأكادميين وعلماء الأعصاب وعلى رأسهم الطبيب
النمساوي سيغموند فرويد ، ألزموا وقيدوا العقل الباطن وبرمجته بظرورة تكرار
الأفكار والنوايا والأماني ، بحيث أن تكرار الفكرة يجعلها تتأرشف تلقائيا لتأهل
صاحب الفكرة على إبداء بعض السلوكات التي ترمي إلى هذه الفكرة أو إلى بلوغها ،
فمثلا إذا أردنا بناء مشرع وقمنا بدراسة
جل جوانبه مرارا وتكرارا فإننا بهذا التكرار نرسخ الفكرة في عقلنا الباطن ،
وندخلها في سجل يضل محفوظ ، وبذالك فإننا نجد أنفسنا وبدون شعور نبدي بعض السلوكات
التي ترمي كلها إلى هذا المشروع الذي نود بنائه ، بحيث نجد أنفسنا نشارك تجاربنا وأفكارنا
بخصوص هذا المشروع حتى مع أناس لا علاقة لهم بالمشرع أصلا ، أو نجد أنفسنا نسارع
إلى بناء هذا المشروع بدون شعور ، وهذه النقطة مهمة جدا وهي التي سنأكد من خلالها نقمة
العقل الباطن ، لأن توجه الفكرة هو الذي يولد الإنطباع الذي سيلازمنا لمدة معينة ،
فإن كانت الفكرة إيجابية قوبلت بالإيجاب وولدت انطباعات إيجابية ، وأما إن كانت
سلبية ولدت انطباعات وسلوكات سلبية خارجة عن إرادتنا ، وكان لها أثر سلبي على
نفسية الإنسان .
_نقمة العقل الباطن :
هنا سنتقدم بمثال منطقي لا يقبل التأويل ولا الريبة ، لأنه يدخل
ضمن الواقع المعاش ، ويطرح نقطة مهمة ومعاشة من طرف أغلبية الشباب بالأحرى .
أحيانا
وأنت تجالس أبناء الحي تكون خالي الذهن ومفرغ الأفكار ، فتلاحظ مثلا بأن أحد أبناء
الحي ينظر إليك نظرات غدر وجبروت وتحدي ، وكونك إنسان محايد مثلا وليست لك خلفيات
سلبية مع صاحب تلك النظرات ، فإنك لا تأخذ الموضوع بتلك الجدية اللازمة ، ومنه فإن
الموضوع لا يخالجك بالسلب أبدا ويكون انطباعك عادي جدا ، لاكن إن لاحظت أن تلك
النظرات تتكرر مع مرور الأيام ، وأن ذالك الشخص لربما يود استفزازك أو تحديك أو ما
شابه ، فإنك تبدي بعض الملاحظات المبدئية وتحاول أن تجد لها تفسير منطقي ، وغالبا
ما تخرج بنتائج غير مفهومة ، لأنه كما قلنا إن لم تكن لك خلفية سيئة مع صاحب تلك
النظرات لكونك إنسان محايد ، فإن أخذت الموضوع ببساطة شديدة وتغاضيت الطرف فإن
الأمور ستمر بسلام تام ، وأما إن صممت على إيجاد حل لصاحب تلك التحذيقات المريبة ،
فهنا سنكون قد دخلنا في طور البرمجة اللاواعية ، وهنا ستبدأ الأفكار السلبية
تراودك كلما التقيت بذالك الشخص ، لأن التكرار كما قلنا يبرمج العقل الباطن إما
بالإيجاب أو بالسلب ، وتتعدد الإحتمالات فيما يخص البرمجة السلبية ، لأن ما تقدمنا
به هو مجرد مثال بسيط يلخص كل ما له جانب سلبي ، ومنه فإن العقل الباطن قد يبرمج
بالرضى أو بغير رضى ، والأمور التي نكون في حاجة ماسة إليها فإننا نبرمج عقلنا
تلقائيا وبرضانا ، لاكن قد تصادفنا مشاكل حياتية كما ذكرنا في المثال ، فنكون
مجبرين على الخضوع للتكرار والبرمجة بغير رضى ، فنكون مدطرين ومجبرين على تكرار
الأفكار السلبية لظرف من الظروف أو لظغط معين .
ومثل هذه
الظروف لا يجوز أن نطلق عليها اسم نعمة العقل الباطن وإنما نقمة العقل الباطن ،
وهذا قانون كوني يلغي مبدأ المثالية ، لأن المطلق غير موجود ، وما دام هناك موجب
فلا بد من وجود نقيض سالب له .
تعليقات
إرسال تعليق
إذا كان ليكم أي استفسارأو معلومة يرجى تضمينها